تعددت أغراض الشعر الجاهلي، إذ إن الشعر هو الأداة التي يعبر بها الشعراء عما يرد في أذهانهم وخواطرهم في كل المناسبات والمواقف، وتكون أغراض الشعر معبرة عن الغاية من كتابة قصيدةٍ ما، وباعتبار أن الشعر الجاهلي هو أحد أهم أنواع الشعر على مر العصور، فسوف نتحدث باستفاضة عن أهم أغراضه في موقعنا فنون العلم.
جدول المحتوى
أغراض الشعر الجاهلي

يعتبر الشعر الجاهلي من أعرق الفنون التي لها مكانة لا يستهان بها بين الفنون الأدبية، فقد بدأ قبل قرون عديدة متميزًا بأسلوب مختلف معتمدًا على أدق المصطلحات اللغوية الفصيحة، كما أنه اشتمل على موضوعات مختلفة عن التي جاءت بعده من أنواع الشعر.
فجاءت أغراض الشعر الجاهلي معبرة عن كل ما يمر به الشاعر في حياته، وفي الفقرات التالية سوف نتعرف إلى أغراض الشعر الجاهلي بالتفصيل:
1- الغزل
إن الغزل هو التعبير الصريح عن الحب والعواطف تجاه المرأة واستخدام أعلى مستويات اللغة العربية لوصف جمالها ومفاتنها، ويمكن اعتبار الغزل هو الجوهرة التي كانت تزين الأشعار في العصر الجاهلي. فهو الغرض الأكثر تفضيلًا بين كل أغراض الشعر الأخرى، فلا تجد قصيدة من القصائد الجاهلية إلا وتطبعت بطابع الغزل حتى وإن كان ليس الغرض الرئيسي فيها.
انقسم الغزل في الشعر الجاهلي إلى نوعين، وهما الغزل الصريح والغزل العفيف، فأما الغزل الصريح فهو الذي كان سائدًا في ذلك العصر، وكان يتزعمه امرؤ القيس معتمدًا على وصف مفاتن جسم المرأة وسرد المغامرات التي كان يعيشها مع النساء.
أما الغزل العفيف فهو الذي يعبر عن المشاعر الصادقة التي تتعلق بامرأة واحدة فقط، ومن أهم شعراء الغزل العفيف في ذلك الوقت هو عنترة بن شداد، ويمكن القول إن هذا النمط بدأ في الجاهلية ولكنه ترعرع في العصر الأموي، ومن أمثلة أبيات الغزل العفيف لعنترة:
إِذا الريحُ هَبَّت مِن رُبى العَلَمَ السَعدي … طَفا بَردُها حَرَّ الصَبابَةِ وَالوَجدِ
وَذَكَّرَني قَومًا حَفِظـتُ عهـودَهم … فَما عَرِفوا قَدري وَلا حَفِظـــــوا عَهدي
وَلَولا فَتــاةٌ في الخِيـــامِ مقيــــمَةٌ … لَما اِختَرتُ قـربَ الدارِ يَومًا عَلى البُعدِ
2- المدح
يعد المدح من أشهر أغراض الشعر الجاهلي، فكان الشعراء حينها يستخدمونه للتعبير عن إعجابهم بشخصٍ ما أو عملٍ ما، وفي أغلب الأحيان كانوا يلجؤون إليه من أجل الحصول على معروف أو منحة من زعماء القبائل.
كان يسود هذا النوع من الشعر معاني التبجيل والتعظيم من أجل الإشادة بأفضال من يقال فيه الشعر، ومن أبرز شعراء المدح في العصر الجاهلي المتنبي، وزهير بن أبي سلمى والذبياني.
اشتهر زهير بن أبي سلمى بإبداء إعجابه بمن يقومون بأعمال عظيمة، ومن المعروف عنه أنه كان صادقًا فيما يقول، ومن أشهر قصائد المدح لزهير قوله:
لَعَمــــرُ أَبيـكَ ما هَــــرِمُ بنُ سَلمى … بِمَلحِيٍّ إِذا اللُؤَمـاءُ ليموا
وَلا ســــاهي الفُؤادِ وَلا عَيِيِّ ال … لِسانِ إِذا تَشاجَرَتِ الخُصومُ
وَهــو غَيثٌ لَنـا في كلِّ عـــــــــــامٍ … يَلـــوذُ بِهِ المُخَــوَّلُ وَالعَديمُ
3- الفخر والحماسة
هو أحد أغراض الشعر الجاهلي الذي يعبر به الشاعر عن اعتزازه بنفسه أو بالقبيلة التي ينتمي إليها، ولا شك في أن هذا الغرض يسود العديد من قصائد الجاهلية.
فإن الشعراء في العصر الجاهلي كانوا يتفاخرون في قصائدهم بالبطولات والحروب التي خاضوها، كذلك يتفاخرون بما حققوه من انتصارات وما يمتازون به من قوة وبسالة، بالإضافة إلى التفاخر بالنسب والمال.
هناك نوعان من غرض الفخر والحماسة، النوع الأول هو الفخر الشخصي الذي يذهب إليه الشاعر عندما يريد الإشادة بالصفات الشخصية التي يتمتع بها.
أما النوع الثاني هو الفخر القبلي الذي يذكر فيه الشاعر أنه ممتن لانتمائه لقبيلته، ويفخر بقومه وأمجادهم مثلما جاءت قصيدة طرفة بن العبد التي قال فيها:
سائِلــوا عَنّا الَّذي يَعــرِفُنــــا … بِقُـــــــــوانا يَـــــــــومَ تَحــلاقِ اللِمَم
يَومَ تُبدي البيض عَن أَسوقِها … وَتَلُفُّ الخَيلُ أَعــــــــــراجَ النَعَم
أَجــــــــــدَرُ الناسِ بِرَأسٍ صِلدِمٍ … حازِمِ الأَمرِ شجـــــاعٍ في الوَغَم
4- الهجاء
كما ذكرنا سابقًا أن أغراض الشعر الجاهلي تشمل كل ما يمر به الشاعر في حياته اليومية من مشاعر إيجابية وسلبية، فإن الهجاء هو الطريقة التي يعبر بها الشاعر عن مشاعر الغضب والثورة، وبالتالي يعتبر الهجاء هو مقابل المدح.
استخدم الشعراء الهجاء في العصر الجاهلي من أجل التقليل من شأن قبائل أخرى، وذلك من خلال ذكر العيوب والصفات السيئة، ويمكن القول إن الهجاء ظهر نتيجة الروح التنافسية التي كانت سائدة في الصحراء.
كما يعتبر الهجاء نقيضًا للفخر لأن الشاعر حين يذكر مساوئ الأعداء، فإنه يذكر أيضًا ما لقى منهم من هزائم، وقد وجه الشاعر أوس بن غلفاء الهجيمي هجاءً إلى يزيد بن الصعق الكلابي قال فيه:
جَلَبنا الخَيلَ مِن جَنبَي أَريكٍ … إِلى أَجَلى إِلى ضِلَعِ الرِّجامِ
بِكلِّ منَفِّــقِ الجرْذانِ مَجـــــرٍ … شَـــــديدِ الأَسْرِ لِلأَعداءِ حـــامِ
أَصَبْنــــا مَن أَصَبْنا ثمَّ فِئْنا … عَلى أَهلِ الشُّرَيفِ إِلى شَمـــامِ
5- الرثاء
في صدد حديثنا عن أغراض الشعر الجاهلي لا يمكن الإغفال عن غرض الرثاء، وهو التعبير عن مشاعر الحزن بسبب فقدان الأحباء، ونتيجة لطبيعة الحياة في العصر الجاهلي التي كانت لا تخلو من الحروب كثرت أعداد الوفيات حينها مما ساعد على انتشار الرثاء في ذلك الوقت.
مما لا شك فيه أن قصائد الرثاء تخلو من النفاق والتجمل، وذلك لأنه نابع من مشاعر صادقة لا ينتظر منها الشاعر مقابل، ولكنه فقط يخرج ما بداخله من حزن وألم على من فقده ويركز على كل الصفات الحميدة لهذا الشخص، ومن أهم وأشهر قصائد الرثاء في العصر الجاهلي هي قصيدة الخنساء في أخيها صخر قائلة:
أَعَينَيَّ جــــــــــودا وَلا تَجــــمُــدا … أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى
أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ … أَلا تَبكِيانِ الفَـــــتى السَيِّدا
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمـــادِ … سـادَ عَشـــيرَتَهُ أَمـــــــــرَدا
6- الوصف
من الجدير بالذكر أن الوصف هو أحد أهم أغراض الشعر الجاهلي الذي نقل به الشعراء ما عاصروه من ظواهر طبيعية كالأمطار والرياح، كما أنهم اهتموا بوصف وتصوير البيئة التي عاشوا فيها وما تحوي من حيوانات وجبال وغيرها.
من المؤكد أيضًا أن غرض الوصف يحتوي على العديد من المصطلحات الجمالية التي تبرز عظمة اللغة العربية وغِناها. وفيما يلي قصيدة امرئ القيس التي قالها وصفًا لجواده:
وَأَركَبُ في الرَوعِ خَيفانَةً … كَسى وَجهَها سَعَفٌ منتَشِر
لَها حافِرٌ مِثلُ قَعبِ الوَليدِ … ركِّبَ فيهِ وَظيفٌ عَجِــــــز
لَهـا ثُنَنٌ كَخَـــــــوافي العُــق … بِسـودٌ يَفـــــــينَ إِذا تَزبَئِر
7- الاعتذار
لم يكن غرض الاعتذار من أغراض الشعر الجاهلي السائدة على الرغم من لجوء الكثير من الشعراء إلى هذا الغرض من أجل النجاة من العقاب واللوم على فعل شيء ما عن طريق تقديم التبريرات على هيئة قصيدة شعرية مليئة بالمعاني العميقة والصور الجمالية الفريدة.
يعتبر الذبياني هو أشهر الشعراء الذين استخدموا الاعتذار في قصائدهم، ومن أبرز القصائد الاعتذارية تلك التي قدمها للنعمان بن المنذر، فقال:
أَتاني أَبَيتَ اللَعنَ أَنَّكَ لِمـــــتَني … وَتِلكَ الَّتي أهـــــتَمُّ مِنهـــــــا وَأَنصَبُ
فَــــبِتُّ كَأَنَّ العائِـــداتِ فَرَشنَني … هَراسًا بِهِ يُعلى فِــــــراشي وَيُقشَـــبُ
حَــــلَفـــــــــــتُ فَلَـــــم أَترُك لِنَفسِكَ رَيبَةً … وَلَيسَ وَراءَ اللَهِ لِلمَرءِ مَذهَبُ
8- الحكمة
يقدم الشاعر الحكمة والنصيحة على هيئة قصيدة شعرية تحوي خلاصة تجاربه في الحياة، فيقال دائمًا عن الشعراء أنهم يتحلون بالحكمة والموعظة، وهذا الأمر يعكس مقدار النضج العقلي الذي وصلوا إليه. ويقال إن زهير بن أبي سلمى هو من أشهر الشعراء الذين تتميز قصائدهم بالحكمة فيقول زهير في معلقته:
رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشــــــــــــــواءَ مَن تُصِب … تمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ
وَأَعلَمُ عِلمَ اليَـــــــــومِ وَالأَمسِ قَبــــــــلَهُ … وَلَكِنَّني عَن عِلمِ مــا في غَدٍ عَــمي
وَمَــــن لا يُصــــانِع في أُمــــــــــــــــورٍ كَثيرَةٍ … يُضَرَّس بِأَنيـابٍ وَيــــــوطَأ بِمَنسِمِ
خصائص الشعر الجاهلي
يمكن اعتبار الشعر الجاهلي بأنه انعكاسًا للحياة البدوية في الصحراء، لذلك فإن خصائص الشعر الجاهلي تتمحور حول حياة البادية، وتنقسم هذه الخصائص إلى خصائص معنوية، وخصائص موضوعية وأخرى فنية، وفيما يلي نعرض أهم تلك الخصائص:
1- الخصائص المعنوية
هناك الكثير من الصفات التي يتميز بها الشعر الجاهلي عن غيره، ومنها الخصائص المعنوية التي تظهر في النقاط التالية:
- الصدق: فإن أهم ما يميز القصائد في الشعر الجاهلي هو تصوير حقيقة ما يرد في ذهن الشاعر بالفعل دون تصنع حتى وإن كانت الأحداث التي يسردها لم تقع بالفعل.
- الطابع الوجداني: يتطرق شعراء الجاهلية لأن تكون قصائدهم ذات لمسة وجدانية، أي يظهر فيها مشاعره وأحاسيسه فكان يغلب عليها العاطفة الشديدة.
- البساطة: نظرًا لأن الحياة الجاهلية كانت تتميز بالبساطة وعدم التكلف، فإن ذلك كان له أثرًا واضحًا على الشعر في ذلك الوقت.
- القول الجامع: تميزت أبيات الشعر الجاهلي بالجمع بين العديد من المعاني التامة في كل بيت على حدة؛ مما جعل العرب يتفاخرون بهذا الأمر.
- الإطالة: فمن المعروف عن قصائد الشعر الجاهلي أنها طويلة، حيث من الممكن أن تجد الشاعر قد تحدث عن أكثر من موضوع في قصيدة واحدة.
2- الخصائص الموضوعية
من أهم الخصائص المميزة للشعر الجاهلي هي الخصائص الموضوعية التي تفسر ماهيته، وتوضح الأسباب التي تجعله من أفضل أنواع الشعر التي ما زالت محتفظة بمكانتها إلى اليوم، وتتمثل تلك الخصائص فيما يلي:
- الاستطراد: أي تعدد الموضوعات المرتبطة ببعضها عن طريق الوزن والقافية.
- المقدمة الطللية: وهي ما تميز العديد من القصائد فكانت تعبر عن شعور الألم الذي الإنسان في ذلك الوقت.
- توظيف الحكمة: فقد كثرت مواضيع القصائد الجاهلية وامتلأت بالحكمة، وتكون انعكاسًا لما مر به الشاعر من تجارب وخبرات.
3- الخصائص الفنية
استكمالًا لحديثنا عن أغراض الشعر الجاهلي وخصائصه، فهناك بعض الخصائص الفنية التي يتفرد بها الشعر الجاهلي عن غيره، والتي سوف نعرضها في النقاط التالية:
- الطابع البدوي: يتأثر الشعراء الجاهليون بطابع الصحراء التي كانوا يعيشون فيها، فإنك تجد في أبياتهم ما يعبر عن الحياة البدوية كذكر الناقة والجبال وغيرها.
- الوضوح: تميز أسلوب الشعر الجاهلي بالواقعية، حيث لا يوجد تكلف أو مبالغة في تصوير الأحداث، وتأتي الأبيات بعيدة عن الغموض.
- كثرة التصوير: من أهم ما يميز الشعر الجاهلي الدقة في نقل المواقف، مما يجعله يكثر في استخدام الصور الخيالية التي تعكس روعة اللغة العربية.
- تعدد الموضوعات: فقد يبدأ الشاعر بالغزل بمحبوبته، ثم يتطرق إلى وصف الصحراء، ثم يذهب إلى غرض المدح وهكذا.
- الموسيقى في الأبيات: قد تكون هادئة أو صاخبة، وهذا يرجع إلى الموضوع الذي تتحدث عنه القصيدة.
- صعوبة الألفاظ: من أبرز الخصائص التي تعرف عن الشعر الجاهلي هو أن معانيه وألفاظه غير معتادة، وفي الغالب تحتاج إلى معجم لتفسيرها.
تعددت أغراض الشعر الجاهلي موضحة أن الشعر في ذلك الحين كان يشمل كل جوانب الحياة، فحين يكون الشاعر غاضبًا أو محبًا أو يريد أن يمدح أو يذم في شخصٍ ما أو يريد تقديم النصيحة، فلا يجد نفسه إلا وهو يقول قصيدة شعرية تحمل معانٍ فريدة خالدة إلى أبد الدهر.